كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال النابغة:
إذا رضيت على بنو قشير ** لعمر الله أعجبني رضاها

أي إذا رضيت عني ولكنه إذا رضيت عنه أحبته وأقبلت عليه.
وقال آخر:
إذا ما امرؤ ولى علي بوده ** وأدبر لم يصدد بإدباره ودي

أي ولى عني ولكنه إذا ولى عنه صار عليه ولم يبق له.
وقال بعض بني طيء في أحد جبليها:
نلوذ في أم لنا ما تغتصب ** من الغمام ترتدي وتنتقب

لأنه إذا كان لائذا به كان فيه فكذلك من سفهت نفسه فقد جهل أمر نفسه فجاء سفه نفسه على مثال جهل نفسه أم كنتم شهداء معني أم هنا الجحد وتقديرها الصناعي أنها منقطعة ولا تكون منقطعة إلا بعد كلام متقدم عليها فيجيء عند ذلك بمعني بل وألف الاستفهام كأنه قيل بل أكنتم أي ما كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت وأنه وصى باليهودية فلا تنحلوا أنبيائي النحلة اليهودية فإنهم كلهم حنفاء وأصل الحنف الميل في الرجل تميل كل واحدة من الإبهامين إلى صاحبتها وكانت أم الأحنف ترقصه وتقول والله لولا حنف برجله ودقة في ساقه من هزله ما كان في فتيانكم من مثله فكأن الملة الحنيفية مالت من الأديان الباطلة إلى الحق وقيل إن أصله الاستقامة قال عمر رضي الله عنه حمدت الله حين هدى فؤادي إلى الإسلام والدين الحنيف ثم المغوج الإبهامي يدعى أحنف إما عن طريق السلب كالتمريض والتقذية والإشكاء والإعتاب في سلب هذه المعاني وإزالتها وإما على طريق النقل بالضد كما يقال للمهلكة المفازة وللديغ السليم السبط عند المبرد من سبط عليه العطاء إذا أكثر ووالى كأنه مقلوب بسط وكلاهما من الكثرة وهذه هي طريقة الاشتقاق الأكبر وهي رجوع معاني الكلمة على اختلاف تركيبها مثلا في الثلاثي إذا تصرف على ستة قوالب إلى أصل واحد ومادة واحدة فإن ءامنوا بمثل ما ءامنتم قيل إن الباء زائدة أي مثل إيمانكم وقيل بل المثل زائد أي فإن آمنوا بما آمنتم وهكذا كتب في مصحف بن مسعود وابن أنس وأبي صالح ولأنه ليس الله مثل والمراد الإيمان به عز وجل إلا أن العرب تأتي بمثل في نحو هذا توكيدا يقول الرجل مثلي لا يفعل هذا أي أنا لا أفعله والشقاق الاختلاف والافتراق لأن كل مخالف في شق غير شق صاحبه ويسوم صاحبه ما يشق عليه صبغة الله دين الله وكأن ما يظهر في المسلم من نور الطهارة وبهجة العبادة وسيما الزهادة شبيه باللون الذي يظهر في الشيء عند الصبغ نلوذ في أم لنا ما تغتصب ومن أحسن من الله صبغة وهي بما للإسلام من الخصائص والهيئات التي تفضله على سائل الشرائع كما قيل تلوح من دولة الأيام دولتكم كأنه ملة الإسلام في الملل أمة وسطا عدلا قد اعتدلت أموركم فلا إفراط ولا تفريط وقيل وسطا خيارا قال أبو النجم:
كأنما أبكؤها أضفاها ** يجزيك من أبعدها أدناها

ولو تخطيت إلى أقصاها ** لم تعرف الحجرة من وسطاها

{لتكونوا شهداء على الناس} أي على أهل الكتاب في تبليغ محمد صلى الله عليه وقيل في تبليغ جميع الرسل كما سمعتم من الرسول الصادق وقيل إنها الشهادة التي هي بيان الحجة وظهور الدلالة أي ليبينوا للناس الحق ويكون قولكم وإجماعكم حجة على كل أحد وفي كل وقت ويوضح هذا قوله ويكون الرسول عليكم شهيدا وتسمية الشهادة بينة لهذا ولذلك التأويل الأول داخل في هذا لأنهم إذا بينوا الحق للناس وشاهدوا من قبل ومن رد شهدوا على ذلك يوم القيامة كما أن الشاهد في الدنيا يتحمل ما شهد ثم يؤدي إلى الحاكم بعده.
{إلا لنعلم} قد مضى تأويله في قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} وقيل إلا ليعلم رسولنا وحزبنا كما يقال بني الأمير وجبي الوزير وقيل معناه إلا لنرى فأقيم العلم مقام الرؤية كما أقيمت الرؤية مقام العلم في قوله ألم تر كيف فعل ربك بأصحب الفيل وكان مولده عليه السلام بعد عام الفيل بخمسين يوما وقيل إنه على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذوب الذهب فلينفخ عليه بالنار لنعلم أيذوب قال كثير تعان فاستنصف ليعلم أينا على عدوان الدار والنأي أوصل أمسته رزق العينين بالشرب لو دعا بعبرته الأروى لظلت تنزل أم السادر اللاهي الذي جل همه إذا ما جلا مزالة والتكحل وقيل المعني لكي يكون الموجود كما نعلم لأن الموجود لا يخالف معلومه عز وجل فتعلق الموجود بالمعلوم أشد من تعلق المسبب بالسبب قد نرى تقلب وجهك في السماء سببه سببه أن الله كان أخبره بتحويل قبلة بيت المقدس وكان يقلب الوجه تشوقا للوحي وتوقعا لا تحريا للهوى وتتبعا إذ كان يقينا عنده صلى الله عليه أن الخير والصلاح فيما يؤمر به لا فيما يهواه أو يكرهه.
وعن ابن عباس أنه كان يحب التوجيه إلى الكعبة لا عن هوى النفس ولكن لأنها قبلة العرب فيكون في التحويل إليها توفر دواعي العرب إلى الإيمان ومباينة اليهود ولاسيما المنافين منهم إلا أنه كان يقلب وجهه ولم يكن يدعو به لأن الأنبياء لا يدعون إلا بعد أن يؤذن لهم لئلا يكون ردهم إذا خالف دعاؤهم جهة المصلحة فتنة لقومهم شطر المسجد الحرام هو الكعبة لأن الشطر هو النصف والكعبة موضعها من المسجد الحرم في النصف من كل جهة ولكل وجهة أي شرعة ومنهاج عن الحسن وغيره قبلة أي لكل فرقة من أهل الأديان أو لكل أهل بلدة من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها وجهة إلى القبلة وقوله فاستبقوا الخيرات يوضح هذا التأويل هو موليها أي موليها قصده والضمير في هو لله أي الله موليها إياه بمعنى موليه إياها وقيل مولي إليها على ضد مولي عنها فيكون الضمير لكل وتكرر فول وجهك شطر المسجد الحرام لتأكيد أمر القبلة حين تلاح المشركون واليهود فيه وخاضوا كل مخاض.
{لئلا يكون للناس عليكم حجة} في خلاف ما في التوراة من صرف قبلتكم إلى الكعبة إلا الذين ظلموا إلا أن يظلموكم في كتمانه وقيل إنه استثناء منقطع بمعني لكن أي لكن الذين ظلموا يضعون الشبهة موضع الحجة كقوله: {مالهم به من علم إلا اتباع الظن} أي لكنهم يتبعون الظن ولا يعلمون.
قال الهذلي:
أهاجك مغني دمنة ورسوم ** لخولة منها حادث وقديم

فإن تك قد شطت وشط مزارها ** فإني بها إلا العزاء سقيم

أي لكنني اتعزى عنها وقال أبو عبيدة معنا {لئلا يكون للناس عيكم حجة} ولا الذين ظلموا فيكون إلا بمعنى الواو قال وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان وقال قطرب معناه إلا على الذين ظلموا فحذف على بل أحياء ذكر أبو بكر الرازي فيه وجهين أحدهما أن المراد به أرواحهم وأن حقيقة الحياة للروح الذي هو جسم لطيف ملابس للجسد الكثيف وذلك الروح هو الإنسان على الحقيقة وإنما الجسد له كالجنة والوقاية الثاني أن الله يلطف بعد الموت والقتل ما تقوم به البنية الحيوانية فيجعله بحيث يشاء من عليين أو سجين لينال ما يستحق من النعيم أو البؤس وهذا القول أشبه بمذهب أهل الإسلام والأول على مذهب الأوائل ولأن الروح الحيوانية بمجردها لا تكون حية لأنها من جنس الريح والهواء بل الهواء إذا حصل في البنية الحيوانية ودخل منافذها وانبسط في مخارقها وأمدته الرطوبة الذهنية التي حول القلب يقال له الروح ولذلك وصفه الله بالنفخ والقبض فالأصح أن يحيى الله أجزاء من الشهيد ومن هو مثل أهل ثوابه وكرامته ويصل إليها طرف من النعيم فتكون الحال كحال النائم على سرور ورفاهية في روضة طيبة ناغتها رياح السحر وفاح فيها نسيم الزهر كما في الحديث إنه يفتح له مد البصر ثم يقال له نم نومة العروس شعائر الله معالم دينه وأعلام شرعه من شعرت وعلمت ومنه إشعار الهدى ليعلم ذلك فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال ذلك مع أن السعي عبادة لمكان صنمين عليهما يقال لهما إساف ونائلة فكان المشركون يطيفون بهما كما قال أبو طالب وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضي السيول من إساف ونائل.
فظن المسلمون عليهم إثما في الطوف بهما لأجل الصنمين وقيل معناه أنهما أي الصفا والمروة من شعائر الحج والعمرة وإلا كان الطواف بهما بدعة وجناحا كالتطوف بسائر الأماكن فان الله شاكر أي مجازي بالحسني لأن الجزاء في مقابلة العمل كالشكر في مقابلة النعمة إن في خلق السموات والأرض واختلف الليل والنهار أي يخلف كل واحد منهما صاحبه على التعاقب والتناوب وقيل بل المراد الاختلاف في النور والظلمة والطول والقصر بعد الاعتدالين وهما في جميع ذلك يجريان على قدر مقدور لا زيادة ولا نقصان والفلك وإن كانت من صنع الخلق وتركيبهم بخلاف سائر الأدلة من هذه الآية فإن دلالتها على التوحيد من حيث لولا تمكين الله إيانا من الفلك وآلاتها التي تعمل بها لما أمكن ركوب البحر ولفاتت منافع الجلب والامتياز من عامة البلدان وكذلك لولا لطف الله في رقة المياه وامتياعها ووفورها في البحر لما جرت الفلك ولولا الرياح السهلة لما أسرعت ولو أفرطت في الهبوب لما سلمت ولولا أن الله ربط على القلوب لما عبر خلق ضعيف خلقا عظيما وإنما هو دود عود في غمار من الهلاك ودفاع من الموت وفي الفلك آية أخرى تشهد بها عامة من ركب البحر وهو أنها إذا لعبت بها العواصف وأظلمت السحائب وصارت الحيلة مغلوبة والمسكة مسلوبة فإن أجيبت دعوتهم ظهرت على نصل النشابة المشدودة بالدقل علامة ككوكب ضخم آية للنجاة لا تخطئ البتة فترتج السفينة بالاستبشار وإن كانوا في حاق الأمواج.
{ولو يرى الذين ظلموا} لو إذا ورد بعدها أمر يشوق إليه أو يخوف لا يوصل بجواب ليذهب القلب فيه إلى كل مذهب كما قال الراعي لو أن حق القوم منكم إقامة وإن كان سرب قد مضى فتسرعا أي لو كان أحد أحق بالإقامة منكم وإن كان سربكم وهو المال قد مضى أقام لكنه لا أحد أحق بالإقامة منكم وإن كان كما قال ردينة:
لو شهدت غداة جئنا ** على أضماتنا وقد اختوينا

وأرسلنا أبا عمرو ربيئا ** فقال ألا انعموا بالقول علينا

{خطوات الشيطن} أعماله ووساوسه وقيل هي أن يتخطى أو لو كان ءاباؤهم ألف توبيخ في صورة الاستفهام كمثل الذي ينعق أي ومثل داعي الذين كفروا إلى الله كمثل الناعق بما لا يسمع.
كما قال الحارثي:
وقفت على الديار فكلمتني ** فما ملكت مدامعها القلوص

أي راكب القلوص وقيل إنه على القلب إذ المعنى هو المنعوق به وإن كان اللفظ الناعق كقوله تعالى: {لتنوء بالعصبة} ثم العصبة تنوء بها ولكن المعنى لا يخفي في الموضعين وقيل إن الناعق هو مثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم لأن النعيق صياح الراعي بالغنم وهو صفة ذم فأولى بها الكافرون قال الأخطل فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالًا منتك نفسك أن تكون كدارم أو أن توازن حاجبا وعقالا إنما حرم عليكم الميتة نصب الميتة على معني الكافة في إنما وإنما إثبات للمذكور ونفي لما عداه قال القول ما حرم الله عليكم إلا كذا يدل عليه أن وإن للتحقيق وما للنفي فتحقق إن الشيء وتنفي ما سواه وما أهل به الإهلال رفع الصوت بالدعاء كما قال الشاعر:
يهل بالفرقد ركبانها ** كما يهل الراكب المعتمر

وقال النابغة:
أو درة صدفية غواصها ** بهج متى يرها يهل ويسجد

غير باغ على الإمام ولا عاد بسفر حرام وهذا ضعيف لأن السفر الحلال لا يبيح الميتة ولا ضرورة والحبس في الحضر يبيح ولا سفر ولأن الميتة للمضطر كالذكية للواحد ثم الباغي يأكل الذكية كالعادل ولأنه يجب على الباغي حفظ النفس من التلف ما أصبرهم على النار ما الذي جرأهم على العمل الذي يدخلهم النار حكى الفراء عن قاضي اليمن أن أحد الخصمين حلف عنده فقال له صاحبه ما أصبرك على الله وقال المبرد هو استفهام بمعني التوبيخ لهم والتعجيب لنا من جراءتهم على النار ولكن البر من ءامن بالله أي ولكن البر بر من آمن بالله.
كقول النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ** على وعل ذي المطارة عاقل

أي مخافة وعل وقيل تقديره ولكن ذا البر كقوله: {هم درجت} أي ذوو درجات والقولان وإن كانا على حذف المضاف فالأول أجود لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع والخبر أولى به من المبتدأ لأن الاتساع بالإعجاز أليق منه بالصدور وقيل تقديره ولكن البار كقول الخنساء:
ما أم سقب على بو تطيف ** به قد ساعدتها على التحنان أظار

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ** فإنما هي إقبال وإدبار

أي مقبلة تارة ومدبرة أخرى وقال المبرد لو كنت من القراء لقرأت ولكن البر بفتح الباء والبر والبار واحد.
{وءاتي المال على حبه} أي على حب المال أو على حب الإيتاء كما قال الأنصاري هلا سألت الخيل إذ قلصت ما كان إبطائي وإسراعي هل أبذل المال على حبه فيهم وآتي دعوة الداعي وفي الرقاب أي المكاتبين أي من البر إعانتهم على بذل الكتابة وقيل المراد هو عتق الرقاب.
والبأساء الفقر والمسكنة والضراء السقم وحين البأس حين القتال والموفون بعهدهم على تقدير ولكن ذا البر من آمن والموفون والصبرين عند الكسائي نصبت بإيتاء المال كأنه وأتى المال ذوي القربي والصابرين.
والأصح أنه نصب على المدح كما قال لا يبعدن قومي الذين هم سم العداوة وآفة الجزر النازلون بكل معترك والطيبين معاقد الأزر ولأن على قول الكسائي يكون وأقام الصلاة والموفون كل ذلك اعتراضا بين العطف والمعطوف والاعتراض لا يكون معتمد الكلام ولا يعمل فيه شيء ولهذا منع أبو على في قول الشاعر:
أتنسى لا هداك الله ليلى ** وعهد شبابها الحسن الجميل

كأن وقد أتي حول جديد، اعتراضا لأن موضعه نصب بما في كأن من معني التشبيه فمعناه أشبهت وقد مضى حول حمامات مثولا فمن عفى له من أخيه شيء أي القاتل إذا عفا ولى القتيل عن القصاص وصالحه على المال أو عفا بعض الأولياء أو الولي عفا عن بعض القصاص ليظهر التقييد بشيء فاتباع المعروف أي ولى القتيل يطلب الدية بالمعروف وينظر القاتل إن أعسر ولا يشدد عليه.
وأداء إليه بإحسن أي يؤدي القاتل إليه المال ولا ينقصه ولا يماطله ورفع اتباع على الخبر عن ابتداء محذوف أي فحكمة اتباع أو هو ابتداء خبره محذوف أي فاتباع عليه وأما قوله فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب فالأجود نصب ضرب الرقاب على الإغراء لأن إذا يجلب الفعل فمن بدله أي الوصية إذ الوصية والإيصاء واحد أو فمن بدل قول الموصي والجنف والإثم التوصية في غير القرابة عن الحسن وعن ابن عباس التفاوت في مقادير الوصية بحكم الهوى والميل.
وعن عطاء إنه إعطاء البعض وحرمان البعض وقيل الجنف في القول وحده والإثم في القول والفعل فيكون الجنف بالوصية قولا والإثم بالإعطاء في المرض قال جرير هو الخليفة فارضوا ما قضى لكم بالحق يصدع ما في قوله جنف يقضى القضاء الذي يشقي النفاق به فاستبشر الناس بالحق الذي عرفوا وقال القتبي خاف بمعني علم لأن الخوف بمعني الخشية للمستقبل والوصية هاهنا وقعت واستشهد بقول أبي محجن الثقفي.
إذا من فادفني إلى أصل كرمة تروى عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنني بالفضاء فإنني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها فمن تطوع خيرا أطعم أكثر من مسكين وقيل صام مع الفدية ولتكملوا العدة أي عدة أيام الشهر للمطيق وعدة القضاء لغير ولتكبروا الله على ما هداكم.
قيل إنه التكبير في يوم الفطر وقيل إنه تعظيم الله على ما هدى إليه من عبادته فليستجيبوا لي قال أبو عبيدة الاستجابة والإجابة واحدة كما قال الغنوي وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذلك مجيب.
فكان المراد فليجيبوا أوامري بالقبول والامتثال لأجيب دعاءهم وقال المبرد المراد بالاستجابة الانقياد والإذعان في كل ما أوجبه الله حتى إذا استجاب الله في أوامره أجابه الله في مسائله وهذا القول أجرى على الأصل لأن في معنى الإذعان معنى طلب الفعل ولأن الإذعان شرط من الدعاء كما أن الإيمان والتفويض وصدق الرجاء ومعرفة ما يدعو به أهو حسن وأنه خير وصلاح ومعرفة الوجه الذي عليه يحسن الدعاء وأن تعجيل الإجابة أو تأخيره على حسب مصالح الداعي وأن الله يرى ويسمع كلامه واختيار الله فيما يخيره للداعي وخير له من الإجابة كل ذلك شرط والرفث الجماع وفي غير هذا الموضع الحديث عن النساء بقول فاحش الخيط الأبيض الصبح أول ما يبدو كما قال أبو دؤاد.
ولما أضاءت لنا سدفة ولا من الصبح خيط أنارا فإن قيل أليس الأبيض هو الكاذب في الحديث والشعر قال ترى السر حان مفترشا يديه كأن بياض لبته الصديع وقال صلى الله عليه لا يهيدنكم المصفر فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر.
قلنا إذا استطار طلوع البياض ظهرت اوائل الحمرة قال المخزومي:
فلما تقضي الليل إلا أقله ** وكادت توالي نجمه تتغور

فما راني إلا مناد تحملوا ** وقد لاح معروف من الفجر أشقر

وأبين من هذا قول اليشكري:
يسحب الليل نجوما ظلعا ** فتواليها بطيئات التبع

ويزجيها على إبطائها مغرب ** اللون إذا اللون انقشع

المغرب في الخيل والإبل هو أن تحمر أرفاغ الفرس وحماليقه ووجهه من شدة البياض فعبر به عن الصبح وتدلوا بها إلى الحكام أدليت الدلو أرسلتها لتملأها ودلوتها انتزعتها ملأى قال ابن هرمة ولن ترني إلا أخا ملك أدلى إليه دلوى فأدلوها سهل المحيا تلفى خلائقه مثل وحي السلام تقروها ومعنى الآية أن المدلى كما أن قصده استقاء الماء فكذلك المتوسل إلى الحاكم قصده احتجان المال فيجعل الحاكم سببا إلى غرضه كسبب الدلو ويدخل فيه الإدلاء بالحجة الباطلة عند الحكام ومصانعتهم بدفع شيء إليهم والإقدام على اليمين الفاجرة التي يقطع الحاكم الأمر على ظاهرها واقتطاع ما يمكن من المال ثم دفع الباقي إلى الحاكم لقطع الخصومة والمقالة.
ويسئلونك عن الأهلة أي في زيادتها ونقصانها قل هي مواقيت للناس والحج وهذا بيان جملة ما في الأهلة من مصالح الدنيا والدين من مواقيت المعاملات والمداينات والتواريخ الحالية والمواعيد المضروبة والآجال المحدودة والأيام المعدودة في الصوم والفطر ومناسك الحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها كانت العرب في الجاهلية إذا أحرمت نقبت في ظهور بيوتها للدخول والخروج وقيل إنه على وجه المثال في إتيان الشيء من وجهه والدخول في الأمر من بابه كما قال:
لا أدخل البيت أحبو من مؤخره ** ولا أكثر في ابن العم أظفاري

أعوذ بالله من أمر يزين لي ** شتم العشيرة أو يدني من العار

ثقفتموهم ظفرتم بهم ثقفته إذا وقعت له فظفرت به قال الشماخ:
فهمت بورد القنتين فصدها ** حوامي الكراع والقنان اللواهز

ولو ثقفاها ضرخت من دمائها ** كما جللت نضو القرام الرجائز

{الشهر الحرام بالشهر الحرام} أي القتال في الشهر الحرام قصاص الكفر في الشهر الحرام فأن يكبر الكفر فيه وينكر أولي من أن ينكر القتال والحرمت قصاص أي متفقة متساوية فكيف يحرم القتال ولا يحرم الكفر وقال مجاهد صدت قريش النبي عليه السلام عن المسجد الحرام في ذي القعدة من العام المقبل فقضى عمرته فذلك قوله الشهر الحرام بالشهر الحرام.
{فإن أحصرتم} قال الشافعي رحمه الله الإحصار منع العدو لأنها نزلت في عمرة الحديبية عام صد النبي عليه السلام ولأنه قال فإذا أمنتم وعندنا يكون الإحصار بالمرض أيضا وهو مذهب ابن عباس وابن مسعود وخطأ أبو عبيدة واسماعيل بن اسحاق القاضي الشافعي وقالا: الإحصار في المرض والحصر في العدو وقال المبرد وحصر حبس قال الهذلي فجاء خليلاه إليها كلاهما يفيض دموعًا غربهن سجوم فقالوا عهدنا القوم قد حصروا به فلا ريب أن قد كان ثم لحيم وأحصر عرض للحبس على الأصل كقوله: أقتله عرضه للقتل وأقبره جعل له القبر فما استيسر من الهدى عن ابن عباس أنه شاة وهو مذهبنا حتى يبلغ الهدى محله أي الحرم عن عامة المفسرين.
وعند الشافعي محله موضع الإحصار وهو على مذهب الكسائي أن المحل بالكسر هو الإحلال من الإحرام والمحل بالفتح موضع الحلول والمتمتع بالعمرة إلى الحج هو المحرم بالعمرة في شهر الحج إذا أحرم بالحج بعد الفراغ من العمر من غير أن يلم بأهله في قول العبادلة بمذهب الفقهاء.
وقال السدي هو الذي فسخ الحج بالعمرة وقال ابن الزبير هو المحصر إذا دخل مكة بعد فوت الحج فصيام ثلاثة أيام في الحج أي قبل النحر ما بين إحرامه في أشهر الحج إلى يوم عرفة وسبعة إذا رجعتهم وهو عندنا إذا رجع المتمتع من الحج حتى لو صامها بعد الفراغ من الحج قبل الرجوع إلى الأهل أجرأه تلك عشرة كاملة في الأجر وقيل في قيامها مقام الهدى وقيل إنه على الإفادة لجملة العددين إذ كانت العرب لا تعرف الحساب وقال الفرزدق:
ثلاث واثنتان فهمن خمس ** وواحدة تميل إلى شمامي

فبتن بجانبي مصرعات ** وبت أفض أغلاق الختام

وحاضرو المسجد الحرام هم أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة وليس لهم أن يتمتعوا عندنا ولو فعلوا لزمهم دم الجناية لا دم المتعة الحج أشهر معلومات أي أشهر الحج أشهر معلومات فحذف المضاف أو الحج حج أشهر معلومات فحذف المصدر المضاف أو جعل الأشهر الحج لما كان الحج فيها كقولهم ليل نائم ونهار صائم.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة جمعت ببعض الثالث والفعل إذا وقع في بعض يوم الجمعة صح القول بأنه في يوم الجمعة كما صح أنه في وقت كذا منه وعن مجاهد وقتادة أن ذا الحجة داخل فيها بأسره ومنه قول الراعي:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ودعا فلم أر مثله مقتولا

وكان قتله في السابع عشر من ذي الحجة فمن فرض فيهن الحج أوجب على نفسه أي أحرم والرفث الجماع ودواعيه وذكره عند ذكر النساء والفسوق السباب وقيل المعاصي كلها.
والجدال الملاحاة مع أهل الرفقة وقيل لا جدال في الحج لا خلاف فيه أنه في ذي الحجة وهذا القول هو وجه امتناع لا جدال بالتنويل وإن قرئ به لا رفث ولا فسوق لأن قوله لا جدال نفي إذ لم يجادلوا أن الحج في ذي الحجة ولا رفث نهي إذ كانوا ربما يأتونه فكأن لا في الجدال نافية وفي الرفث أفضتم من عرفت دفعتم بكثرة منها إلى مزدلفة كفيض الإناء عند الامتلاء.
وصرف عرفات مع التأنيث والتعريف لأنه اسم واحد على حكاية الجمع ومن قال إنها جمع عرفة صرفه معنى الجمع الجماعة ولا تأنيث في لفظة الجمع واسم عرفات من تعارف الناس عند التقائهم في ذلك المجمع العظيم وقيل إن جبريل كان يرى ابراهيم المناسك فلما صارا بعرفات قال ابراهيم عرفت فسميت بهذا الاسم وقيل إنه من اجتماع آدم وحواء وتعارفهما والمشعر الحرام ما بين جبلي مزدلفة عن ابن عباس.
وعن إبراهيم هو الجبل الذي يقف عليه الإمام بجمع ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس أمر لقريش وحلفائهم وهم الخمس بالإضافة من عرفات إلى جمع وكانوا يقفون بجمع ويقولون نحن أهل حرم الله لا نخرج عنه وقيل بل هذه الإضافة من جمع إلى مني لأن الإضافة من عرفات مذكورة وهذه معطوفة عليها فلا يصح هي بعينها فيكون المراد بقوله من حيث أفاض الناس إبراهيم ومن تبعه.
{فاذكروا الله كذكركم ءاباءكم} كانت العرب في الجاهلية إذا وقفت بعرفات ومزدلفة تعد مآثرها ومفاخر آبائها كما ذكره الفرزدق إذا ذكر الناس المآثر أشرفت روابي أبي حرب على من يطاول إليهم تناهي مجد كل قبيلة وصار لهم منها الذرى والكواهل وأنتم زمام ابني نزار كليهما إذا عد عند المشعرين الفضائل من خلق من نصيب من الخلافة التي هي الاختصاص أو الخليقة التي لها التقدير والتثبيت للشيء والأيام المعدودات أيام التشريق ثلاثة بعد المعلومات التي هي عشر ذي الحجة والسبب في الاسمين أن المعلومات لاشتهارها يحرض الناس على معرفتها للحج والمعدودات لقلتها بالقياس إلى المعلومات كالمعدودات التي نسخها شهر رمضان فإنها كانت ثلاثة أيام من كل شهر ولأن القلة معينة على الإسراع في التعديد وذكر الله في المعدودات التكبير وابتداؤه عند ابن مسعود من صلاة الفجر من يوم عرفة في أدبار الصلوات الثمان آخرها صلاة العصر من يوم القربان وهو مذهب أبي حنيفة وفي قول ثلاث وعشرون صلاة آخرها عصر رابع من النحر عشية النفر وأيام التشريق يسمى الأول منها يوم القر لاستقرار الناس بمنى والثاني يوم النفر لأنهم ينفرون ويخرجون إلى أهاليهم وهو المراد بقوله فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي تعجل الخروج في النفر الأول ومن تأخر إلى النفر الثاني وهو الثالث من أيام منى.